السبت، 28 يوليو 2012

الجزء السادس ، ادخلوا عليهم الباب


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء السادس ، ادخلوا عليهم الباب
معتز عبد الرحمن

هي اللحظة الفاصلة ، هي اللحظة العصيبة ، هي اللحظة التي يقف فيها الإنسان أمام نفسه ليدهس بإيمانه الضعف البشري الكامن بين أضلعه ، لحظة يقف فيها المنطق أمام اليقين ، والحسابات البشرية المجردة أمام التوكل الحقيقي ، يبلغ صراخ النفس الضعيفة منتهاه ، ويستدعي الإنسان أقوى ما لديه من إيمان ، وعلى قدر كل منهما تميل الكفة وتكون النتيجة.

تقول حسابات النفس (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)

ويرد الإيمان (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ).

تقول التقديرات العسكرية (قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)

فيجيب اليقين (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

تقول العين المجردة (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فتجيب النفس المطمئنة (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).

يقول المنطق {لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا} فيجيب خير المتوكلين (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)

يلقى إبراهيم في النار وهي أمامه نار تلظى لا تهدأ فيثبت ويحتسب، فيأتي الأمر (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

نتعلم من الجزء السادس ومن قصة قوم موسى والجبارين أن في الزمان نقاط انقلاب وتحول ، من الهزيمة إلى النصر ، ومن الاستضعاف إلى التمكين ولكن لهذه النقاط واللحظات سمات وعليها ملاحظات:

1- هي لحظات عصيبة على النفس وعواطفها ، مرفوضة من العقل وحساباته ، تأتي دوما بعد استفراغ الوسع ، واستنفاذ الأسباب ، تعد كل ما استطعت وتبذل كل ما لديك ثم تفاجأ أنك لازلت الأضعف وأن عدوك يبدو ظاهرا عليك منتصرا ، ولكنك مأمور بالمواجهة ، فتكون أحد رجلين:

أ‌- إما أن تثبت وتتحمل الألم النفسي لعواطفك ، وطيش عقلك وصدمته (وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11)) سورة الأحزاب ، فيأتي الفرج المطلق من الله والنصر المذهل من حيث لا تحتسب (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) وهذا ما حدث في غزوة الأحزاب كما في الآية السابقة ، وحدث مع جيش جالوت ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ، و مع نبي الله موسى على شاطئ البحر ومع نبي الله إبراهيم في النار ومع سائر الرسل مع أقوامهم ، ومع كل مؤمن صادق ثابت على مر العصور.

ب‌- وإما أن تنهار الإيمانيات أمام الحسابات ، ويغلب حب الدنيا على الآخرة ، ومثال ذلك قصة قوم موسي مع الجبارين والتي نتناولها في جزء اليوم الجزء السادس من القرآن الكريم ، والتي أدى فيها التخاذل والخوف في النهاية إلى التيه أربعين سنة وضياع كل شيء ، ففرق كبير بين الأخذ بالأسباب وبين الإيمان بها ، فالأولى توكل والثانية مصيبة تعصف بالتوحيد واليقين ، رأيناها مرارا مع بني إسرائيل ومع منافقي المدينة في جُل الغزوات والمواقف التي تتطلب رجولة ويقين وثبات ، أما في العصور التالية لهم حتى عصرنا فحدث ولا حرج.



2- ورغم أن الإنسان يتعرض لهذا الامتحان القلبي العصيب في مواقف عديدة وعلى كل المستويات ، ولعل منهم ذاك المستمتع بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال : إني أخاف الله) ، إلا أن أغلب الأمثلة الشديدة تجدها في مواطن الجهاد والمواجهة مع طرف أقوى ، ذكرني ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه النسائي وصححه الألباني (يا رسول الله ! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ ! قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، فامتحان الشهيد في يقينه وثباته أصعب من غيره لذا يعفى مما يمتحن به غيره في القبر ويثاب بأجر لا يتصوره أحد.

3- الوصول لهذا اليقين والثبات يحتاج إلى عمل عاجل وبداية فورية لمشوار طويل لتربية النفس والروح لأن الاختبار يأتي في أي لحظة وتكون تلك اللحظة كما ذكرنا فارقة وفاصلة إما نصر مؤزر وتغيير كبير للأفضل وإما ضياع وتيه وسوء ، لذا فالإعداد لها واجب وهام ولكنك لست من تختار التوقيت في أغلب الظروف وقد تأتي قبل أن تستكمل تصورك عن الاستعداد ، في حينها يكون العجب أن نجد من يضيع اللحظة بعدما جاءت بالفعل لأجل الإعداد التدريجي البطئ وكأن النصر ينتظر بالباب والمجد لم يخلق لغيرنا ، رغم أن كل ما عليه أن يتعامل مع الحدث بإمكانيات اللحظة فهي تمثل ما استطاع من قوة وما ملك من أسباب ويأتي مع هذا الإعداد اليقين القلبي الذي به تفوز القلة وينتصر بها الضعيف، أما إذا انتظر وتباطأ يضيع كل شيء ويجد العدو داخل داره ، فلا انتصار لحظي حقق ، ولا العدو سيسمح له بالتدريج الذي يحلم به ، وإذا أردنا أن صياغة ذلك بالمصطلحات السياسية المعاصرة فمن الممكن أن نقول (المنهج الإصلاحي التدريجي في اللحظة الثورية الفارقة هو عين الثورة المضادة وإن حسنت النوايا) فالتدريج لا يصلح لكل وقت ، والحسم أيضا لا يصلح لكل وقت، والإسلام فيه كل ذلك بحسب المعطيات والظروف واتخاذ منهجا واحدا منهما دون الآخر على طول الخط وطوال الوقت وفي كل المواقف خطأ فادح ثمنه قد يفوق الثمن الذي دفعه بنو إسرائيل في سورة المائدة (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) .


هي خاطرة قرآنية رمضانية بحتة ، ولكن لا مانع أن نختمها ببرقية ونقول (يا دكتور مرسي ، ادخل الباب ، إنا معك ثائرون وللحق مناصرون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق