السبت، 28 يوليو 2012

وأنت تقرأ الجزء الثاني


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
وأنت تقرأ الجزء الثاني
معتز عبد الرحمن

يبدأ الجزء الثاني بدرس عظيم هو من أهم الأصول الإسلامية وهي الطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم النابعة من الإيمان بالغيب والذي ذكر في صفات المتقين في بداية سورة البقرة ، فلم يكن تحويل القبلة إلا اختبارا وتمييزا للذين عمرت قلوبهم بالإيمان وبطاعة رب العالمين وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تستلزم الانصياع لكل الأوامر دون استثناء أو إهمال لأي منها أو الاعتراض عليها (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ).

ثم تأتي حزمة من الأحكام الشرعية المتنوعة متتالية في نسق رائع ، وأنا أقرأها في هذا الزمان وهذه الأيام أشعر وكأنها اختبار وامتحان لنا من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه ، فعلى سبيل المثال في بداية الربع الثاني تأتي أحكام السعي الخاصة بالحج والعمرة وهي أمر تعبدي محض ، وفي الصفحة التي تليها الأمر المطلق بأكل الحلال وتحريه وهو أمر حياتي يترتب عليه الالتزام بأحكام البيوع والمعاملات والربا وخلافه بجانب المنهيات المعروفة (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، وفي الربع الثاني يأتي الأمر بالقصاص في القتلى وهو أمر يتعلق بالقانون الجنائي ، بعدها على الفور أحكام الوصية وهي أمر يتعلق بالأحوال الشخصية والمواريث ، ثم الأمر بالصيام وتفصيل أحكامه وهو أمر تعبدي كالحج الذي تم تفصيل جانب من أحكامه أيضا في نفس الجزء، ثم الأمر بالقتال والجهاد وأحكامهما وهو أمر يتعلق بالحكم والدولة ، كذلك الخمر والميسر وهما يتعلقان بالتعبد الشخصي للمسلم كما يتعلق بهما أحكام للدولة ، ثم تفصيل لأحكام الزواج والطلاق والعدة للمطلقة والأرملة وهي متعلقة بقوانين الأحوال الشخصية ، وفي وسط أحكام الزواج والطلاق يأتي التذكير والحث على المحافظة على الصلاة والصلاة الوسطى ثم ينتهي الجزء بقصص عن إيمانيات الجهاد في سبيل الله وسننه في سياق قصة طالوت مع بني إسرائيل.

ولا عجب أن تجد في وسط كل هذه الأحكام وفي وسط الجزء تقريبا آية جليلة تذكر بالمعنى الأول المذكور في قصة تحويل القبلة ، وتذكر أن كل هذه الأحكام المتنوعة المتتالية ما هي سوى اختبار وامتحان وابتلاء لمن يطيع الله ورسوله في كل شيء ومن يتبع هواه ، فيقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)) أي طبقوا أوامر الإسلام وشرائعه كلها دون استثناء – تفسير السعدي – ولا تتركوا منها شيئا ، حتى لا تكونوا كمن ذكروا في الجزء الأول من سورة البقرة (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )
ومن اللفتات الهامة أنه تبارك وتعالى بعدما أمر بالدخول في السلم كافة قال (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)) ، قال "عزيز حكيم" ولم يقل تبارك وتعالى "غفور رحيم" ، لأنه زلل بعد وضوح البينات ومعرفة الأمر فجاء بعده الوعيد والتحذير من غضب الله وبطشه تماما كما جاء في نهاية آية الجزء الأول (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

والملفت أيضا أن أحكام القصاص "القانون الجنائي" جاءت بكلمة "كُتب" (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) وأحكام الوصية "الأحوال الشخصية" (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ) ، والصيام "التعبد الشخصي" (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وفي فرض الجهاد والقتال "أمور الدولة والحكم" (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) ، فاستخدام نفس التعبير ونفس اللفظ في الأمر يزيد اليقين الثابت ابتداء بعدم التفرقة بين الأحكام وعدم جواز الالتزام ببعضها دون الأخرى سواء على مستوى الفرد والأسرة أو الدولة ، فالذي كتب الصيام على المسلم كتب عليه القصاص والجهاد وسائر الأحكام ، فنتعلم من الجزء الثاني من القرآن الكريم أن دين الله واحد وأوامره حزمة واحدة وأن أخذ بعضها وترك بعض  وتقديس بعضها وإهمال البعض الآخر هو باب كبير إلى الضياع والخزي في الدنيا وإلى جهنم في الآخرة والعياذ بالله ، فتدبر واقرأ وطبق ولا تكن ممن يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويختم القرآن مرات في رمضان ولا يرى عليه أي أثر لهذا الكتاب العظيم.
كل عام وأنتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق