السبت، 28 يوليو 2012

الجزء العاشر ، القلق من النصر المؤكد


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء العاشر
القلق من النصر المؤكد
معتز عبد الرحمن

الإسلام دين الله المنصور ، تمر على أتباعه عصور من الضعف يظن الناس فيها أنهم لن يمكنوا مرة أخرى أبدا، فلا يمضي الكثير ثم يأتي النصر المبين ، ونحن الآن نعيش أحد عصور الضعف والهوان ، تداعت علينا الأمم وامتلأت قلوبنا بالوهن ، ومع ذلك نوقن أن النصر قادم لا محالة ، وأن الفجر آت بعد طول ليل ، ولكن وللأسف قلة تدبر وتفهم المسلمين في قواعد دينهم وسنن الله في أرضه حولت هذا اليقين عند البعض إلى تواكل ذميم ، لا يحملون للدين هما ، ولا يعيرون لمشاكل الأمة اهتماما كافيا ، فالدين منصور حتما فلما القلق؟ واليوم أقول لهذا المتواكل المدعي اليقين لما القلق.

هل الإسلام يحتاج أتباعه لينتصر؟ في الحقيقة لو كان يحتاجهم لاندثر منذ زمن بعيد ، فهو الدين الوحيد الذي لا يتوقف انتشاره أبدا حتى ولو توقف أتباعه عن الدعوة إليه وحتى لو التفت سلاسل الاحتلال والضعف حول رقابهم ، بل وحتى لو تخلوا هم أنفسهم عن مناسكه وشعائره وقيمه ، وفي عصرنا الحالي مثال حي لمن يتابع تزايد حالات الدخول في الإسلام في الغرب الذي هو في الظاهر الطرف المنتصر والذي يحارب الدول الإسلامية ليل نهار ، فقوة الإسلام في ذاته وإن ضعف أتباعه ، فما بالنا إذا قويت شوكتهم وأخلصوا وناضلوا لأجل دينهم ؟! ، الإسلام سينتصر حتما ولكن السؤال ، بمــن سينتصــر؟ من هذا السعيد الذي سينال شرف أن يكون أداة لنصر الإسلام؟ من هذا السعيد الذي سيلقى الله تعالى فيجد في صحيفته أجر وثواب نصرة الدين؟ ويلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض ويعانقه ويقول له نصرت دينك من بعدك؟ ليس القلق على الإسلام ولكن علينا نحن إذا خسرنا هذا الأجر والثواب بل إذا وضعنا أنفسنا تحت طائلة العذاب بالتقصير الذي نعيشه ، فلا نصرا نرى ، ولا ثوابا نحصل!

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38) إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)) {التوبة} ، الله يأمر المسلمين بنصر دينه وشريعته ، فإما يستجيبون فينصرهم ويؤيدهم ويفوزون برضاه وإما يتخلفون ويقصرون فيكتب عليهم العذاب الأليم ثم يستبدلهم القدير بمن هم أفضل منهم وأعز (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) {محمد-38} ، ويالها من كلمة مؤلمة شديدة (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) وكأن هذا المتولي المقصر المتواكل عار وسوء تنفى صفاته عن الصالح المجاهد المناصر لدينه ، فلك أن تتخيل الأمرين وتختار بينهما أن تكون والعياذ بالله من القوم المُستبدَلين الذين يتعوذ الصالحون من أن يكونوا مثلهم ، وإما أن تكون من القوم البديل الذي يأتي بهم الله لينصروا الحق ويقيموا الدين ويكسروا شوكة الباطل والظلم ، وإذا شعرت بالفارق بينهما أحسست بالقلق الكبير ، وأدركت صعوبة الأمر ، ولم ينم لك جفن ولا يرتاح لك بال خشية الاستبدال ، ولبذلت كل جهدك للنجاة من العذاب وغضب الله تعالى ولم تدخر وسعا للدخول في رضاه ورحمته ومحبته.

وإذا أردت أن تكون من القوم الفائزين المحبوبين من ربهم فاسمع أولا عن صفاتهم وسماتهم لتنتهجها وتتبع سبلهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)) {المائدة} ، هذه صفات حزب الله الحقيقي ، حزب الله المنتصر الغالب ، فالأول يُدعى للجهاد في سبيل الله فيتثاقل إلى الأرض ويغلبه حب الدنيا ، والثاني يجاهد في سبيل الله لا يخاف لومة لائم ، حنون على المؤمنين ، شديد على من يعادي ويحارب دين الله ، يصلي ، يزكي ، ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين وحسب ، والله ثم والله لو لم يكن في هذه الآية وهذه الصفات سوى قوله تعالى (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) لكانت كافية لإشعال الهمم وبذل الغالي والنفيس ، فمن فاز بحب الله ماذا خسر ومن خسر حب الله فماذا كسب؟ لقد توعدت آية سورة التوبة في الجزء العاشر المقصرين بالاستبدال والعذاب ، أما في سورة المائدة فتوعدتهم بالاستبدال وبخسران هذه الصفات الحميدة والخروج من تحت مظلة حزب الله الغالب.
 ألم نفسي ، وألم جسدي ، وخسران مبين ، كل ذلك ينتظر المقصر في نصر الإسلام القادم لا محالة ، والمتخلف عن ركب النضال في سبيل الله بشتى صوره ، ثم يقولون لماذا القلق؟ 

اللهم استعملنا ولا تستبدلنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق