الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الجزء الثالث عشر، عندما يصبح التفاؤل جريمة


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء الثالث عشر
عندما يصبح التفاؤل جريمة
معتز عبد الرحمن
لسورة يوسف مكانة خاصة عند الكثير من المسلمين ، لا يتوقفون عن تلاوتها ولا يملون من سماع دروسها وتفسيرها،  ووجدان كل منا مشحون بخواطر ومعاني هذه السورة الكريمة إلى الدرجة التي تستشعر أنك لا تجد جديدا تضيفه ولا تجد منسيا تذكر به ، إلا إني لم أستطع تجاوز هذه السورة دون الوقوف مع هذه الآية الكريمة ، التي لا طالما وضعت في غير موضعها واستخدمت في غير محلها فتؤدي إلى خلاف مقصودها ولا تحقق أهدافها الحقيقية ، يبذل النبي الكريم المجاهد الصابر المناضل صلى الله عليه وسلم كل ما يستطيع لتبليغ الدين ونصرته ، أؤذي في نفسه وجسده ، أتهم بالسحر والجنون ، قتل من أتباعه من قتل وسحل منهم من سحل ، ومع ذلك يتأخر النصر ويشتد البلاء وتتزلزل العزائم فيأتي القرآن الكريم مذكرا ومنبها (حَتَّىٓ إِذَا اسۡتَيۡأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَآءهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ الۡقَوۡمِ الۡمُجۡرِمِينَ (110)) ، فأحلك ساعات الليل هي التي تسبق النصر ، وأشد لحظات المحنة هي التي تسبق المنحة طالما تمسك المؤمن بدينه وبالعمل والبذل لأجله آخذا بالأسباب متوكلا على ربه.

فمن يريد أن ينال بشرى الرسل فعليه بإتباعهم والتزام منهجهم ،والمتأمل في قصص الأنبياء الكرام يعلم أنهم ما جلسوا لحظة ولا تباطئوا ولا تركوا الأخذ بالأسباب متفائلين منتظرين أن تمطر عليهم السماء نصرا وتمكينا ، ولو تأملنا فقط في سورة يوسف نفسها لرأينا هذا النبي الكريم الموقن بربه يعقوب عليه السلام يشكوا بثه وحزنه إلى الله وينهى أبناءه عن اليأس والإحباط ولكن بعد الأمر بالعمل والسعي (يَـٰبَنِىَّ اذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيۡأَسُوا۟ مِن رَّوۡحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيۡأَسُ مِن رَّوۡحِ اللّهِ إِلاَّ الۡقَوۡمُ الۡكَافِرُونَ (87)) وفي السورة التالية من نفس الجزء سورة الرعد (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِ يَحۡفَظُونَهُ مِنۡ أَمۡرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنۡفُسِهِمۡ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوۡمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)) ، وينتهي الجزء الثالث عشر بذكر قصة نبي الله إبراهيم وتركه لزوجه وولده في واد غير ذي زرع ولا ماء ، وتتقبل الزوجة المؤمنة الأمر بيقين وتفاؤل وصدق (لن يضيعنا) ولكن لم ينهها تفاؤلها عن البذل والسعي بين الصفا والمروة أشواطا تنهك اليوم الشاب الفتي الماشي على الرخام في نسيم المكيفات.

استخدمها من استخدمها في حرب العراق بعدما أقنع نفسه ومن يسمعه بأنه استفرغ الوسع وبذل المتاح وقال انتظروا الفرج والنصر من الله (حَتَّىٓ إِذَا اسۡتَيۡأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَآءهُمۡ نَصۡرُنَا) فقعد القوم هانئين منتظرين النصر الموعود فسقطت بغداد وذبح المسلمون هنالك ، قالها في حرب غزة أيضا فقتل من قتل من المسلمين ولولا فضل الله ثم صمود العاملين المجاهدين على الأرض لضاعت غزة ونحن ننتظر النصر الموعود ، ولما قامت الثورة وثبت أننا لم نكن مستفرغين الوسع وأننا في أيدينا الكثير من الأسباب التي لم تستخدم والتضحيات التي لم تبذل ياليته تعلم وتراجع ولكنه ابتداء خالف تعاليم الإسلام ومفاهيمه ووثق في الثعبان وتجاهل التاريخ سواء الحديث منه مما عاصره الأجداد ودونوه أو القصص والسنن التي جاءت في كتاب الله لتعلمنا فن التعامل مع الطغيان (لَقَدۡ كَانَ فِى قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٌ لِّأُوۡلِى الأَلۡبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفۡتَرَى وَلَكِن تَصۡدِيقَ الَّذِى بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلَّ شَىۡءٍ وَهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (111)) {يوسف} ، ثبط الناس مرارا بدعوى أن التمكين قد جاء بالفعل أو في صالة الوصول ، ركن إلى الوعود والأماني ومارس عادته في النهي عن الأسباب والأمر بالتراخي المغلف بدعاوى اليقين والإيمان، ولما تكشفت الحقائق واتضحت المخاطر وكاد كل شي أن يضيع واغتم الناس واهتموا وأخذوا ينسجون من همومهم أطواقا للنجاة ويبنون من قلقهم جسورا للعبور وحاولوا استثمار المحنة لتصحيح الأخطاء ، وبدلا من أن يصحح معهم الخطأ ويروي معهم الأرض ويتراجع عما سبق ، رأيته ينادي ويقول مالي أراكم مغمومين؟ وفيما وعدتكم مشككين؟ ويحكم توبوا إلى ربكم ، افرحوا واسعدوا بما لم تفعلوا فالنصر قادم لمجرد أننا في محنة (حَتَّىٓ إِذَا اسۡتَيۡأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَآءهُمۡ نَصۡرُنَا) ، فتراخت الكثير من الأيادي من جديد وتقاعس الكثيرون عن العمل ، جلسوا على قضيب القطار مرة أخرى هانئين متضاحكين ، إذا حذرتهم كذبوك ، وإذا نبهتهم وصفوك بضعف الإيمان واليأس من رحمة الله.

إن التفاؤل والثقة بالله فريضة وإن اليأس من رحمته كبيرة إن لم يكن كفر ، ولكن إن كان التفاؤل منفردا دون حث على العمل والنضال والبذل فهو نوع من الدروشة المخالفة للإسلام ، ومن بث في الناس الأمل دون حث على العمل فقد أجرم في حقهم وحق أمته وحق نفسه ، فالنصر لا يأتي للبطالين ولا يأتي للمبتسمين ، فللبيت رب يحميه بفضله وأيدي المسلمين ، فإن تقاعست الأيدي وقصرت قُطعت واُستبدلت وحمى الله البيت بآياد أخرى متفاءلة مجاهدة مناضلة (خاطرة الجزء العاشر) ، هذا ما أعرفه عن الإسلام ، فيا أصحاب التفاؤل الكاذب والتخاذل المقنع بقناع الدين ، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!
للإطلاع على الأجزاء السابقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق