السبت، 28 يوليو 2012

الجزء التاسع ، السير على أشواك النعيم


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء التاسع
السير على أشواك النعيم
معتز عبد الرحمن
لأنه هو الخالق تبارك وتعالى فهو الخبير بخصائص خلقه وطبائعهم وما يحبون وما يكرهون (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) {الملك-14} ، ولأن الدنيا دار ابتلاء فسيمتحن الإنسان قطعا بالحرمان من بعض ما يحب وبالاضطرار إلى بعض ما يكره كي يتميز الخبيث من الطيب (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) {محمد-31} ، وليس على مستوى الجزاء الأخروي وحسب ولكن أيضا لأن العليم تبارك وتعالى هو الأعلم بصلاح شئونهم في الدنيا وما فيه الخير لهم.

يقول تبارك وتعالى في سورة الأنفال "الجزء التاسع" (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)) ، هذه هي فطرة الإنسان يميل دوما إلى الحل الأسلم والأبسط والمريح ، ليست عيبا في ذاتها فهي طبيعة بشرية ذكرت هنا في هذه الآية ، وذكرت أيضا في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولأن الخبير لطيف ورحيم طمأن قلوبنا وعلمنا (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ، من الآية السابعة في سورة الأنفال نتعلم:

1-    للنفس البشرية خصائص عامة ، ويأتي دوما الامتحان بخلافها ، يحب النوم فيطالب بصلاة الفجر ، يحب المال فيؤمر بالزكاة ، يكره المخاطرة والحر فيؤمر بالقتال في الحر ، يكره الفقر والمرض فيبتلى أحيانا بهما ، وإلا فكيف يتميز المحب المخلص من غيره ، وكيف يتميز المؤمن بالغيب الموقن فيما عند الله من الذي يعبد الله على حرف ، وهذا هو طريق الجنة ، طريق مفروش بالأشواك مختوم بالنعيم المقيم (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ){ آل عمران-142} ، والصبر والجهاد يستلزمان وجود مصاعب وآلالام وتحديات ، فلا تضجر من صعوبة الطريق ومخالفته هواك وراحتك ، فإن سلعة الله غالية ، سلعة الله الجنة.

2-    الحل المريح ليس بالضرورة يكون هو الحل السليم ، بل في أغلب الأحيان لا يكون حلا أصلا ، فلكل شيء ثمن ، ولا يحقق النصر إلا من يفتح لنفسه كل الخيارات يسيرها وعسيرها ، ذات الشوكة وغير ذات الشوكة ، وإلا فمن لا يملك خيار الحرب لا يملك خيار السلام ، ومن يتهيب مواجهة الظلم لن يستطيع أن يقيم عدالة ، ومن يتهيب دخول الباب خوفا من الجبارين يعيش في التيه عقودا وسنين ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

3-    لن تنتصر على نفسك وضعفها وعلى مشآق الطريق بدون عون الله وتأييده فلا تترك الاستعانة والتوكل على الله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) {الأنفال-9} ، فسبحانه وتعالى يبتلي ويمتحن ثم يعين ويصبِّر ويوفق ثم يشكر ويكافئ ، ما أرحمه !

4-    جعل الله تبارك وتعالى في الطريق مساعدات ومحفزات ودوافع للإخلاص والصبر والصمود فاستعن بها ولا تتركها حتى لا تخور قواك ، تذكر الأجر دوما وأن رضا الله لا يماثله شيء وأن جنته فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، إذا اشتد عليك التعب تذكر (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) {النساء-104} ، وإذا شعرت بالوهن والضعف تذكر (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)) {آل عمران} ، إذا جمع الناس لك فتذكر (حسبنا الله ونعم الوكيل) وإذا اشتد المصاب فعليك بـ (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، وإذا سخر المنافقون والمرجفون منك واستهزأوا بك وبضعفك في بعض مراحل الطريق قل لهم (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) {التوبة – 52} ، واجعل رأسك دوما لإعلى مهما كان في جسدك من جراح ، واستعلي بدينك ونضالك مهما خذلك الناس ، فيكفيك عزا أنك عبد الله ذي الجلال والإكرام.

5-    ورغم أن أجر البلاء والسير على الأشواك كبير إلا أؤمرنا بأن نسأل الله العافية ، فأنت لا تدري ستثبت حينها أم لا ، فأسأل الله العافية ولكن إذا كتب البلاء وجاءت المواجهة فاستغث بالله واثبت تنل خيري الدنيا والآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس ، لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتوهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف . ثم قال : اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم) رواه البخاري
وأخيرا ، الدنيا قنطرة واستيطان القناطر سفه ، ولا يعنيك ما يصيبك من متاعب أثناء مرورك عليها ولكن ما يعنيك هو ما ينتظرك في الضفة الثانية منها ، فالطالب يوم نجاحه لا يجد في جسده أثرا للسهر والتعب ، والمؤمن تمحى آلامه عند أول قدم يضعها في الجنة (يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار فيقال اغمسوه في النار غمسة فيغمس فيها ثم يقال له أي فلان هل أصابك نعيم قط فيقول لا ما أصابني نعيم قط ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا وبلاء فيقال اغمسوه غمسة في الجنة فيغمس فيها غمسة فيقال له أي فلان هل أصابك ضر قط أو بلاء فيقول ما أصابني قط ضر ولا بلاء) رواه ابن ماجة ، صححه الألباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق