السبت، 28 يوليو 2012

الجزء السابع، المسلم وميزان الأغلبية


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء السابع
المسلم ، وميزان الأغلبية
معتز عبد الرحمن

لا يوجد على وجه الأرض أحد أكثر حرية من المسلم الذي يفهم دينه ويطبقه بشكل صحيح ، فالإسلام جاء ليكسر كل الأغلال عن أعناق بني آدم ويرفع رؤوسهم عالية فلا تنحني أبدا إلا لله ، نزع عنهم أغلال عبادة العباد من فراعين وأمراء وأصنام ، وأغلال هيمنة من يدعون الحديث باسم السماء ، وأغلال الأعراف الجائرة التي تحكم الكثير من المجتمعات ، وضبط طاعة الحكام والآباء وأهل الذكر واحترام ما تعارف عليه الناس بأن تكون الطاعة والاحترام فيما لا يخالف أوامر الله وفيما لا يكون محرما ، وبذلك حرر الإنسان من التماس  رضا الخلق ومنحتهم ومن الخوف منهم إلى التماس رضا الله وحده ورجاء فضله وخوف عقابه (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) {الزمر-29}.

ولكن للحرية ثمن يدفعه المؤمن في الدنيا ليهنأ بها هنا وينعم بالثواب يوم القيامة ، ومن صور هذا الثمن أن يشعر هذا الحر أحيانا بالوحدة والانفراد بسبب تعارض الحق الذي يلتزمه مع أهواء وسلوكيات المجتمع وساكنيه ، ولأن الإنسان اجتماعي بطبعه فكثيرا ما تحبطه هذه الغربة وتدفعه للتنازل عن بعض ما آمن به وأتبعه ، بل وكثيرا ما تخرجه عن الالتزام بالحق كلية ، والأسوأ من ذلك أن يظن المسلم المحق أنه على باطل لقلة صفه وكثرة المخالفين وعلو شأن بعضهم ، لذا فقد جاءت آيات كثيرة في كتاب الله لتضبط هذين الأمرين:

الأول: ضبط معيار تقييم الحق والباطل.
الثاني: تثبيت المسلم على ما عليه من حق في ظل قلة المعين.

وفي الأمرين جاءت آيتان في سورة المائدة (الجزء السابع)، في الأولى حذر القرآن الكريم من اتخاذ الكثرة معيارا للتقييم فقال تعالى (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)) ، فالحق ما جاء به الإسلام قرآنا وسنة وإن لم يتبعه أحد ، والباطل ما خالف الإسلام قرآنا وسنة ولو فعله كل الخلق أجمعين ، وجاءت آيات كثيرة لتضبط هذا المفهوم وتحذر من هذا المعيار الخاطئ ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) {الأنعام-116} ، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) {يوسف} ، وجاءت الأكثرية في عموم القرآن مذمومة موصوفة بعدم العلم وعدم الشكر وعدم الإيمان ، فإياك من اتخاذ العدد معيارا وإياك من السير مع التيار دون تثبت وتحقق من التزامه بتعاليم الإسلام واجتنابه لنواهيه.

وفي تثبيت القلة الصالحة على الحق وسط أمواج الباطل جاء قوله تعالى في نفس السورة والجزء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)) ، جاءت الآية الكريمة لتعلمنا أنه مهما خالف الحق أناسا ذوي عدد ومكانة فلا يضر ذلك المؤمن الغريب شيئا ولا يؤثر عليه ، جاءت الآية تثبيتا ودعما ودفعا للفتنة وللضعف البشري ، لا لتأمر المؤمنين بالتوقف عن النصيحة والدعوة وعن السعي للإصلاح والتغيير كما يظن البعض ، وهو ما حذر منه الصديق رضي الله عنه عندما قال ( يا أيها الناس ، إنكم تقرأون هذه الآية ، وتضعونها على غير موضعها { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا ، ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب ) رواه أبو داود وصححه الألباني ، وكلنا يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا . فطوبى للغرباء) رواه مسلم.

فصحح اليوم معيارك وأنت تبحث عن الحق ، وأسأل الله التوفيق بصدق ، فإذا وصلت بالحجة والدليل إليه فلا تنظر حولك لترى كم من الناس في صفك وكم منهم ضدك ، اثبت على الحق وادعوا إليه ولا تعبأ بالنتائج فمآلها إلى الله ، واصبر على الوحشة والغربة والانفراد كما صبر الأولون ، واصبر على السخرية والإيذاء كما صبر من هم أفضل منك ، وآنس قلبك بالله ونور طريقك باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكن الجماعة ولو كنت وحدك.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق